المدونة أم شبكات التواصل الاجتماعي؟

بعد أكثر من خمسة عشر عامًا من الغياب عن مدونتي الشخصية، ألتقي بكم مجددًا على صفحاتها في حلتها الجديدة، التي ستجدون فيها مقالاتي، وأسعد بزياراتكم لها لأشارككم ما أكتبه وفي النقاط التالية ستعرفون لِمَ تعد المدونة خيارًا أفضل من شبكات التواصل الاجتماعي

أولًا: شبكات التواصل الاجتماعي مقبرة للبيانات

لا تبدي معظم شبكات التواصل الاجتماعي اهتمامًا كبيرًا بالموضوع المنشور وجديته، وإنما بالتفاعل معه؛ فبعض المنشورات -خصوصًا إذا كانت منشورات علمية أو بحثية أو ذات فائدة حقيقية- تختفي في غضون ٢٤ ساعة فقط، بل في خلال دقائق أحيانًا؛ إذ تعتمد الشبكات الاجتماعية على الموضوعات المثيرة والسطحية أحيانًا، فتلجأ إلى إخفاء الموضوعات الجادة لتتيح المجال لما يناسب اتجاهاتها. كما أن محركات البحث تتعامل مع محتوى وسائل التواصل اعتمادًا على تاريخ نشره؛ فتكون الغلبة -عند البحث عن موضوع ما- للمحتوى الأحدث لا الأهم. بالإضافة إلى ذلك، يصعب البحث عن موضوع ما في محتوى الفيديو والصور، وهي المنشورات الأكثر رواجًا وعرضًا؛ فإذا أردت الاطلاع على معلومة معينة، يجب عليك مشاهدة مقطع الفيديو بكامله، وإن فاتك جزء من هذا المقطع واختفى فربما فاتتك المعلومة، وهو ما يجعل البحث عن معلومة أو مناقشة جدية أو رأي ما في محتوى الفيديو أمرًا صعبًا للغاية، ويدفع بالبيانات ذات القيمة إلى الاختفاء. الأمر إذن بمنزلة البحث عن إبرة في كومة قش، بينما عند البحث عن المعلومات في النصوص المكتوبة، يكون الأمر أكثر سهولة.

ثانيًا: أنت المتحكم في المدونة

تُدار شبكات التواصل الاجتماعي بواسطة الذكاء الاصطناعي والخوارزميات، وربما تُدار أيضًا بقرارات بعض الأشخاص وتدخلهم في طريقة عرض المحتوى، مما يجعل معظم المنشورات والصفحات المقترحة موجهة لخدمة أغراض معينة، سواء تجارية أو غيرها. لكن، في المدونة الخاصة بك، سواء كانت مهنية أو شخصية، أنت وحدك الممسك بزمام الأمور؛ تتحكم في التغييرات وتفضيلات العرض وأي تدخلات فنية أخرى، وهي مرونة وحرية لا تجدهما على وسائل التواصل الاجتماعي.

ثالثًا: المتابعون الحقيقيون

إن معظم من يتابع مدونتك الشخصية هو شخص جاء إليها بالتحديد، وتابعها لرغبته في متابعة المحتوى الذي تقدمه، بينما على شبكات التواصل الاجتماعي لا يكون المتابعين حقيقيين دومًا، بل في بعض الأحيان قد يعرضون صفحتك أو منشوراتك لأنها ظهرت لهم مصادفة أو قابلتهم خلال بحثهم عن أمر ما. إذن، المتابعة عبر وسائل التواصل أقرب لتكون متابعة عابرة، وإذا استمرت فإنها تكون متابعة ممتدة ذات علاقة ضعيفة في الغالب، لا ترسخ بينك وبين من يتابعك علاقة حقيقية يسوقها الاهتمام بمحتواك، لكنَّ متابعي مدونتك، الذين قد يكونون أقل في العدد، تربطهم بك وبمحتواك علاقة قوية، ومستمرة، تثير التفكير المشترك والنقاشات البناءة.

رابعًا: البعد عن المشتتات

وفقًا لبعض الدراسات، ينخفض مدى الانتباه على وسائل التواصل الاجتماعي كثيرًا، وقد يصل إلى ١٥ ثانية.

في المقابل حين يكون المحتوى المنشور على صفحات المدونة جيدًا، فإنه يثير الانتباه ويحفز التفكير ويدفع القارئ إلى إعمال العقل والبحث والتدقيق ومناقشة الكاتب والمتابعين الآخرين

والسبب بسيط: تتطلب القراءة دراسة متعمقة، وأولئك الذين يبحثون عن المعلومات السهلة والبسيطة، أو الكبسولات المعلوماتية السريعة على شبكات التواصل الاجتماعي، يعطون للمنشورات اهتمامًا أقل؛ لأنهم يسعون إلى تحصيل أكبر قدر من المعلومات على حساب التركيز والتفكير الناقد.

لا سبيل بالتأكيد إلى إنكار مميزات شبكات التواصل الاجتماعي؛ كتحقيق الشهرة والانتشار وبناء العلاقات والتعرف على الآخرين، وأيضًا سرعة النشر وسهولة الاستخدام، ومتابعة الأحداث لحظة بلحظة، ولا يحقق هذا الاستخدام الإيجابي إلا من كان له هدف نبيل من استخدامها. لكن من الأفضل الجمع بين مميزات وسائل التواصل والمدونات، والاستفادة منهما معًا؛ إذ إنهما أداتان تكمل أحدهما الأخرى. وإذا كنت صاحب رسالة واهتمام معين بالكتابة في حقل ما تنشر عنه وتسعى إلى التعريف به، فلا غنى لك عن التدوين. وإذا كانت شبكات التواصل بمنزلة مكبر الصوت الذي يحقق الانتشار الأوسع، فإن المدونة الشخصية هي ذلك الصوت الذي تنقل به رسالتك إلى الآخرين.

خالد علي المرحبي، مهتم بالتقنية والابتكار وصناعة الأفكار. أتعلم كل يوم، وأحاول أن أجيب على سؤال: كيف نعيش حياة أفضل؟ يسرني أنك وصلت إلى مدونتي الشخصية، وأرحب بالتواصل معي في أي وقت.

‎مؤخرة الموقع