لن يخبرك جوجل!

التقنية خزائن ثروة لا تفنى لمن أمتلك مفاتيحها، وسلاح يفتك بالجهل ويرقى بالأمم نحو آفاق لا تعرف الحدود لمن أحكم القبض على الزناد. و إذا أمعنت النظر في حضارات اليوم وما وصلت إليه من مكاسب و منجزات، لا شك أنك ستدرك عظم هذه الوسيلة و فوائدها الخارقة على الحياة و أنماط التفكير، وستلمس كذلك عظم الإضافة التي جاءت بها إلينا جوجل وأشباهها من التقنيات الحديثة والأدوات ذات الصلة، من حيث الوصول فائق السرعة لكل ما نترجاه من معلومات ومعارف، حتى بات أول خيار يخطر في بالنا حين تغيب عنا معلومة أو نجهل أمرًا؛ هو الذهاب رأسًا إلى هواتفنا وسؤال جوجل عن ذلك المجهول الذي لا نعلمه، ليرد علينا ذلك الآلي فائق الذكاء بإجابات مفصلة مشفوعة في الغالب بأدلة لا تقبل التأويل.

تقنيات لا يصدقها عقل؛ لدرجة أنه لو جاء أحدهم من زمن قديم وأخبرناه عنها؛ لاحتجنا شهورًا كي نشرح له أبعاد الموقف؛ وكيف أن مجموع جهود السابقين وتراكمية معرفتهم ومن قبل ذلك مشيئة الله؛ سخرت لنا في الأخير ذلك المحرك الهائل الذي استجمع كل معارفنا وآثارنا ومثل بتوهجه وضخامة أثره رمزية شديدة التعبير عما وصلنا إليه من تطور شديد في عصرنا الحالي.

إجابات لا يمتلكها جوجل

رغم هذا المنجز البشري ثاقب الأثر عميق الذكاء، وأمام إجاباته الشافية لكثير من مجاهيلنا؛ إلا أن هناك نوعًا من الأسئلة يبقى عاجزًا عن الإجابة عنها، يعرف عنك الكثير مثل توجهاتك وطعامك المفضل وأكثر الأماكن التي تزورها وحالتك الصحية ومواعيدك اليومية، ويزداد نهمه أكثر في معرفة أخبارك عبر أجهزته القابلة للارتداء لكنه يتحفظ خجلا أن يخبرك عن جواب أسئلة محددة إذ هو المستفيد الأول يهتم بمصالحه ومنافعه وهكذا يفعل بنو قومه وكما قيل من شابه أباه فما ظلم !

هل جربت أن تسأله يومًا عن نفسك؛ حينها لن يبادر أبدًا للإجابة عليك، إنه عامي الإجابة، لا يولي وجهه صوب شخصيتك وما يعتريها من مشكلات، ولا جهة روحك وما تلتهب به من مشاعر، ولا نحو وقتك الضائع المرسل عنك بعيدًا إلى حيث لا عودة، لن يخبرك أبدًا أنك مشتت الفكر؛ تأتيه دقيقة بعد أخرى بأسئلة ومواضيع شتى غير متصلة السياق، لن يخبرك أنك تعاني من فراغ عاطفي، وتملأه بوقتك الضائع على منصات التواصل الاجتماعي، لن يخبرك أنك هش النفسية إلى تلك الدرجة التي بت بها تقترب من الانهيار والسقوط.

لن يحذرك من كل هذا؛ بل هو وأشباهه من المنصات يبلتعك لحظة بعد أخرى، يغريك بالحضور عليه ما استطعت من وقت، إنه يستفيد منك؛ فأنت سلعته دون أن تدري؛ يتاجر بك بين الشركات المتطلعة لنقودك، يعرضك عليهم واحدًا تلو الآخر، فيما يبقيك في حيزه مستخدمًا لأدواته قارئًا لأحداثه الجاذبة غير المنقطعة، هل بت قابلًا أن تصير سلعة تتقاذفها منصات التواصل الاجتماعي؟! الأمر في حاجة لكثير تفكير وتأمل!

إذن؛ كيف الطريق؟

ليس ثمة شيء خاطئ للنهاية ولا شيء صحيح من البداية في أمور الدنيا، نحن من نرجح شيئًا على آخر، ولم نتأخر أبدًا عن إصلاح أخطائنا، طالما أننا بعد أحياء فلنحاول دائمًا أن نتغير إلى الأفضل، الموازنة والتوسط هي خير الأمور، فلنأخذ من كل شيء ما يفيدنا دون إسراف، ولنبتعد عما يضرنا فيه، تلك نظرة بسيطة، لكنها هي الحل الناجع، ولن نتلاقى مع النجاح في تطبيق هذا الحل إلا بمحاولات كثيرة وحمل للنفس على مغادرة مواطن إدمانها الإلكتروني.

ضع في حسبانك يا صديقي أن كل إنسان سيد نفسه، وأن مفتاح عقلك وموازينه في يدك وحدك. كل منا قادر على ضبط نفسه من خلال الابتعاد عما يشتت فكره ويهدد صحته. يمكنك أن تعتزل جوجل ووسائل التواصل ولو مدة يسيرة وابتعد فستجد سلامة نفسية وعودة تدريجية لفطرتك وسليم طباعك

قيّم بدقة ثمار تواجدك على الشبكة وضع موازينا ترجح فيها ما أدمنت عليه نفسك. فإذا كنت بعيدا عن الاعتدال في استعمال وسائل التواصل ستدرك هذا من تلقاء نفسك. لا شك أنك ستجد مؤشر الزئبق يرتفع بشراسة لأعلى درجات الإفراط كمن بلغت به الحمى الأربعين وزيادة. نعم، للأسف بعضنا بلغ درجة الإفراط في مسامرة وسائل التواصل وتصديقها – وقد يصدق منها الكثير- فمنحناها ثقة مطلقة أغرقتنا فلم نجد للنجاة سبيلا. أما طوق النجاة فأنت صانعه من خلال رسم دقيق لبدائلك وخياراتك النافعة بعد أن تقف هذه الوقفة ومع انتهاء هذا السطر.

خالد علي المرحبي، مهتم بالتقنية والابتكار وصناعة الأفكار. أتعلم كل يوم، وأحاول أن أجيب على سؤال: كيف نعيش حياة أفضل؟ يسرني أنك وصلت إلى مدونتي الشخصية، وأرحب بالتواصل معي في أي وقت.

‎مؤخرة الموقع