هذه الساعات مرة في فمي، تتدحرج الذكريات في هاوية لا قاع لها، لا الوجع الضارب في أعماقنا يكفكف ألم الرحيل، ولا الدمع يخفف لوعة الفقد، ولا الطيف العابر يسكن ذلك الوجد.
للموت هيبة وجلال يصرخ في مسامعنا حين نصحو على فقدان صديق، وأي صديق أصدق منك يا صلاح، لقد أثارت فاجعة رحيلك غصة في الحلق وانكماشا لصفحات حياتك المشرقة وذبولا لوردك الذي بثثته بين جوانحنا، وإذا اجتمع في المفقود المروءة والإحسان وبشاشة الوجه ورقة القلب وحب الآخرين وكرامة النفس وبسط اليد وسخاؤها فأي سراج انطفأ وأي فقد حل.
أصبح المدح والرثاء أخَوان، ذاك للأحياء وذاك للأموات كما قال الرافعي وغيره. أشتاق لأيام كانت تجمعنا، ولمقعد دراسة كان يحملنا سويا، ولأبحاث لم نكملها بعد، أشعُر وكأني في أرضٍ غير التي كنت أعرفها يا صلاح، أسرحُ للحظاتٍ أتأمَل فيها الماضي، يوم كُنت تدخُل عليّ وأنت مبتسم رغم الألم والمرض الذي يسري بجسدك.
لم يكن فراقا واحدا، كنت تودعنا باستمرار وتعلم يقينا ونحن في غفلة أن أجل الإنسان أقرب إليه من شراك نعله، كنت حيا ونحن أموات، أموات لا نتذكر الموت ثم يأذن الله لشمسك أن تشرق من جديد ويشرق وجهك بأمل تبثه في محيا من تراه حتى غابت شمسك للأبد ووافتك المنية بعد صراع من المرض صباح يوم الخميس العاشر من ذي القعدة من عام ثالث وأربعين وأربعمئة وألف بعد الهجرة النبوية المطهرة على صاحبها أفضل صلاة وأزكى تسليم.
إيه يا صلاح، حضرت مبكرا ورحلت مبكرا، كان لقاؤنا قريبا، نبرة صوتك، ورنين ضحكتك، ومشاركة أملك وألمك، فوائدك ودررك، كلها باتت ذكريات لا نحتاج أن نفتش بين ركامها لنرشف منها ما نبلل به جفاف الفراق ولوعته، ستبقى حيا في وجداننا وفي وجدان كل من نهل من نبعك الصافي.
طِبت في منامك يا صلاح ورحمك الله بقدر ماهزّنا وجع الحنين. اللهم إن صلاحا بين يديك فارحمه واغفر له واجعل قبره روضة من رياض الجنة . اللهم وسع مدخله .. وأكرم نزله وأغسله بالماء والثلج والبرد. اللهم أعل درجته في أعلى عليين .. اللهم أسكنه الفردوس الأعلى وأجمعنا به في جنات النعيم.
تابعني